17‏/09‏/2011

على لسان ماركيز


كتب جابرييل جارسيا ماركيز رسالته الأخيرة - كرسالة وداع إلى أصدقائه ومحبيه من فراش المرض، بعد اعتزاله الحياة العامة بفعل تدهور حالته الصحية -
يقول :

“لو شاء الله.. أن يهبنى شيئا من حياة أخرى فسوف أستثمرها بكل
قواى. ربما لن أقول كل ما أفكر به لكنى حتما سأفكر فى كل ما سأقوله.

. سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه. سأنام قليلا، وأحلم كثيرا،
... .مدركا أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعنى خسارة ستين ثانية من النور.
سأسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكل نيام.. لو شاء ربى أن يهبنى
حياة أخرى، فسأرتدى ملابس بسيطة وأستلقى على الأرض، لا عارى الجسد فحسب، وإنما عارى الروح أيضا.
سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقا متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.
وتابع يقول: “للطفل سأعطى الأجنحة، لكنى سأدعه يتعلم التحليق وحده، وللكهول سأعلمهم أن الموت لا يأتى مع الشيخوخة بل بفعل النسيان، لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر.
تعلمت أن الجميع يريد العيش فى قمة الجبل غير مدركين أن سر السعادة تكمن فى تسلقه. تعلمت أن المولود الجديد حين يشد على إصبع أبيه للمرة الأولى فذلك يعنى أنه أمسك بها إلى الأبد. تعلمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر، فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف،
تعلمت منكم أشياء كثيرة! لكن قلة منها ستفيدنى، لأنها عندما ستوضع فى حقيبتى أكون أودع الحياة.
قل دائما ما تشعر به وأفعل ما تفكر فيه…
لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التى أراك فيها نائمة، لضممتك بقوة بين ذراعى ولتضرعت إلى الله أن يجعلنى حارسا لروحك. لو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التى أراك فيها، لقلت “أحبك”، ولتجاهلت – بخجل – أنك تعرفين ذلك.
واستطرد: “هناك دوما غدا، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنى مخطئ وهذا هو يومى الأخير، أحب أن أقول كم أحبك، وأننى لن أنساك أبدا. لأن الغد ليس مضمونا، لا للشاب ولا للعجوز.



03‏/09‏/2011

محاولة فاشلة لرسم وجه مبتسم


من أين تأتي أيها الشعرُ؟
انتظرتُك خاويًا فأتيتني تسعى
و كنتُ بمفردي
ألأمس رطبًا لم يزلْ
و العمر نزهة عاشقَين إلى البعيد
و كنتُ أحسب بالأصابع ما فعلتُ
و أحتسي شاي الصباح مسكرًا
كنت اندهاشًا خالصًا
مستسلمًا للآخرين..
يرتبون إقامتي
و حدود دمعي
أو رتابة عزلتي
للعابرات هزائمي و بذاءة التأْريخ
و الذكرى -سبيل الخاسرين إلى التنازل-
للأحبة
-و الأحبة آفلون كنجمةٍ فقدتْ مدارًا
عابسون ككوكب فاتته نجمةٌ-
الطريق يحددون خطاه
قسوة أرضه
أو طوله المفروض
هل هو باسطٌ كفيه لي أم ملتوٍ؟
-هل للأحبة موطنٌ غير الرحيل؟-
لها و إن لم أعترفْ
ما لن يكون لغيرها

و قد انتظرتُك خاويًا
فأتيتني تسعى
و كنتُ بمفردي
أديتُ دوري في افتقارٍ واضحٍ
للحظ و الإتقان
لم أشرُف بدورٍ جيدٍ و لذا ارتجلتُ
أضاعني نصف الطريق
لأعرف المطلوب مني جيدًا
و النصف -عن قصدٍ- أضعتُ لأرفض المطلوب مني
لم أكن زهرًا لأخشى كل كفٍّ
أو فراشًا كي أرى ضوءًا
فيأخذني البريق عن الشذا
لم أكتشف سر الوجود
و لم أخف إعلان ذلك

و انتظرتُك خاويّا
فأتيتني تسعى
و كنتُ بمفردي
نهرًا عجوز الموج
يجذبني نداءٌ ما
و شوقٌ لاكتشاف القادم المجهول
لي –وكأيِّ نهرٍ طيبٍ- عطرٌ يَقدِّر حزنه
و سحابتان خفيفتان من الحنين
و لي توحد عاشقٍ
سيقول إني مفردٌ كالنهر
يا بحر ابتلعني
كي أعود إليك ملحًا ذائبًا
شكل الثنائيات يقتلني
و يقتلني رفيقٌ ظنني خشبًا
فبللني بدمع حنينه
أو ظنني قمرًا فخبأ جرحه و مضى
لماذا لم أكن بحرًا
فيقصدني جميلوا الحظ و السعداء
أطمرهم فيبتهجون
أنثرهم فرادى ينذرون جلودهم للرمل
لي -وحدي- فبول العاشقين
و لي مصادرة الحنين
و الانسحاب إلى شواطئ لو تكن

و قد انتظرتك خاويًا
فأتيتني تسعى
و كنت بمفردي
خطًّا ضئيلًا شاحبًا
قد خطَّه طفلٌ بكراسٍ قديمٍ
خطّه طفل ببطءٍ
خطّه طفل و أهمله ليكمل لهوه
فبقى هنا خطًا ضئيلًا باهتًا
هو ما تبقى من لقاء سحابتين غريبتين
تآلفتْ كلتاهما و تبادلتْ مطر الحياة
ففرقتْ ريح الجنوب لقاهما
بقى هنا خطًا ضئيلًا باهتًا
كخطى المسافر في بلاد الغير
أو وجد المريض بوجده
أو محض فرحٍ عابرٍ
-و الفرح دومًا عابرٌ-
خطًا ضئيلًا شاحبًا
قد لا تراهُ
و قد تدوس عليه إذ تمشي إلى المترو
و قد يرتاب فيه القط -قطك-
ربما سيظنه حبلًا فيبحث عن بدايته
و طرفٍ سانحٍ للهو
يبحث ثم حين يمل
يمسحه و يمضي
ربما سيمر شخصٌ ما فيسأل أين راح
و ربما سيخط بالطبشور خطًا مثله
خطًا ضئيلًا شاحبًا

و قد انتظرتُك خاويًا
فأتيتني تسعى
و كنتُ بمفردي
و الأصدقاء الشاحبون
الجانحون إلى الغياب بخفةٍ
يتساقطون هناك ظلًا تلو آخر
تاركين وراءهم سفنًا ستغرق أو دخانًا
قد نصادف بعضنا في الحافلات
فننحني للأمس
أو عبث المصادفة التي جمعتْ هنا ندّيْن منسيّيْن
يغمرنا حنينٌ لاكتشاف الحال
توقٌ لالتقاط تغيرٍ فنقوله
-حتى نبدد صمتنا-
نهذي و نرتجل الوداع
-نحبكم..
-سنكون أفضل..
ثم نلعق كفنا لنزيل عطر الآخر المنسيّ
نبقي الآخر المنسيّ منسيًّا لنبقى نحن ملتاعينَ
نبكي الحظ ثم الأصدقاء الشاحبينَ
الجانحينَ إلى الغياب بخفةٍ
فإذا رأيناهم تنكرنا لهم

و قد انتظرتُك خاويًا
فأتيتني تسعى
و كنتُ بمفردي
أبكي على ظهر السفينة
لا نوارسَ في الفضاء
البحر مكدودٌ كعاهرةٍ أتمتْ ليلها
و هي البعيدة
و السعيدة في محارتها الجديدة
تمسح الماضي بحرصٍٍ زائدٍ
"لك لؤلؤي يا فارسي الموعود..
كل لآلئي"
هل يستحق؟
و هل تنفّس حبها حتى أضاء.. فقررتْ؟
هل حانقٌ مثلي؟
و هل نادتْه باسمي.. فاستبانتْ ضعفها؟
لو كان لي بيتٌ
لما قابلتُها في الريح مبتلًا بفلسفتي
لما شاجرتُها من أجل ثورة شعرها
أو فُتحةٍ بالثوب فاضحةٍ
لما نادتْه باسمي فاستبانتْ ضعفها
و بكيتُ
دعْ للعاشقينَ مصيرهم يا ربُّ
هبهم في التجافي متعتين الشوق و الكتمان
هبهم في التلاقي متعتين الصمت و النشوى
و بعثرهم بطول الأرض
بعثرهم و دعهم
يرسمون طريقهم بقلوبهم
ثبِّتْ بأعينهم نوافذ روحهم..
يتعارفوا
سيقدسونك قانعين بما كتبتَ
العاشقون خلائفٌ في الأرض
فأشملهم بعطفك

و انتظرتُك خاويًا
فأتيتني تسعى
و كنتُ بمفردي
قالت فتاةٌ بالمدينة:
-هل تبيع الشعر من أجلي؟
-أبيعك كي يكون الشعر ذا شجنٍ
-تُرى إن كنت أجمل؟
-هكذا سيكون وقع الشعر أجمل
و اتبعتُك طائعًا
فاغتلتني يا شعر
أنت اغتلتني
و تركتني وحدي أجمِّل خيبتي في أعين المتشوِّفات
و أحتمي بالأمس
أسمي غرفتي وطنًا
فيقصدها ضعاف القلب و التعساء
أجعل سقفها قمرًا يضيء بذاته
لا شمسَ يشحذ ضوءها
و أقول:
"كونوا طيبينَ بحضرتي
لا تزعجوا موتايَ بالفوضى
و أعقاب السجائر
و اعبروا حزني خفافًا"
و انتظرتُك خاويًا
وجهي القديم يزورني فأخاف
يسألني شريك البيت عن أمسي فأبهت
"لا عليك أنا هنا.."
و أنا هناك بكاملي
نصفي تطالبني بفرح
ثم تبكي حين أفشل
جارتي ترمي بحبل الود عند الباب
لا تتعثر الخطوات بي
فتمل من جارٍ بليدٍ لا يقدّر حسنها
عملي يطالبني بأن أبدو كنصف مهرجٍ قزمٍ
و نصف إلهٍ
الأحلام أخلقها بأيدي الناس طازجةً لكي يرضوا
و أضحك -دونما سبب- لكي يرضوا
و أتقن كل ما يرضون كي يرضوا
فلا أحلامَ
لا فوضى تثير مشاعري
لا حبَّ إلا في الإجازات القصيرة
لا مقاهيَ
لا تسكعَ
لا مساحةَ للتجارب و التخبط
أو مناوشة السوى
عملي يطالبني بأن أغدو سوايَ
فمن يطالبه بثأري منهُ
أو فكِّ الوثاق دقيقةً
لأرى امتعاضي منه أو فرحي به
لم تكن ربا لتغفر
و انتظرتُك
لم تكن هي كي أرتب عزلتي
حتى تناسب عاشقين
مداريًا شرخًا بطول الروح يُلزمني حنيني
و انتظرتُك
لست تطهو ما سآكل
أو تعد ملابسي لي
أو تسدد أجرة البيت/
الديون/
فواتير التنقل و التكلم
و انتظرتُك
فانتظرني
ربما قابتُني فعرفتُني فرجعتُ
أو قابلتُها فعرفتُها
فذهبتُ عنك/ إليك
عد لي
أو سأمضي
لي رحيلٌ حاضرٌ
و مساحةٌ سأكونها لأجرّب المأمول
أمضي مثل حطاب أتى من غير فأسٍ
طالبًا حطبًا فعاد بغيره
أو فارسًا قد باع بيجاسوسَ كي يَشري الوصول لبيته
هو لم ينلْ شرفًا..
و لكن سوف يأكل برتقالة صمته
و ينام منسيًّا سعيدًا هانئًا
سأحب واحدةً تراني آخر الدنيا
نرى ما تحت أرجلنا
و نكمل يومنا بالصوم
أُنبتها فتنبت زهرةً
سأخط قرب جبينها لا تكتبي
و أموتُ