وجهي أحبُّ إليَّ مِنْ قلبي
وذنبي .. من عيوبي
قال الصديقُ ..
وغاب في الدرب الطليقِ
تبعْتُهُ وأجبتُهُ :
لا دَخْلَ لي بالأنبياءِ
ولم أهاجرْ في الشتاءِ
ولا أحب النازحين من الجنوبِ
كان الصعيد يرفُّ في الرؤيا
ويخترق المجاز
وكنت أنتظر الذين يعاودون من الحجاز
وكنت أرقب حاضري
من أيِّ مائدةٍ
ستخترع السماء وليمةً للناس ؟
تطعمهم أمانيَّ الحياةِ على بكاء العندليبِ
قال الحواريون :
"أنصارَ الإله نكونُ"
لكن عاد موسى :
" مَنْ مجيبي .. ؟!"
فأجبتُهُ :
قلمي أحبُّ إليَّ من كتبي
وخيلي .. من دروبي
لغتي تثنّت بين كنتُ ..
وكان تقويمي تعرَّجَ
في سراديب الإضاءة
ليس لي وهجٌ سيقوى
كي أودَّ الآن أن أحيى
بفكرة شاعرٍمتفلسفٍ
في القول ميّالٍ إلى التجريب
ممتلئٍ بياضا في دجى الكون الكئيبِ
(لي هدأةٌ بعد البلاد بخطوتين)
ولي انسجامٌ في الصفات مع الكتاب
ولي ارتياحٌ للقبيلة دون تضخيمٍ لها
حتى تسمَّى دولةً
لي فسحةٌ في الوقت
أقضيها طوال العام منكفئا على لغتي
ولي وقتي
ولي وجعي أنا
وتشنج القلم الغريبِ
وجعي أحبُّ إليَّ من ألمي
وموتي .. من غروبي
يتلعثم التقويمُ عند شموخنا
وأمام أعيننا يغادر لحنه الملكيَّ
يحفظ ما يشاء من الكتابة
حين نمضي يستزيدُ من العطاء
ونستزيد من الفضاء الحر
والقصص العجيبِ
والأرض دائرة الصراع بعلمها المرئيِّ
أو تهويمها المخفيِّ
ما أُلْقى على الملكيْنِ
هاروتٍ وماروتٍ
ب"باب الخلقِ" !
لا يستودعان السحر من أحدٍ
سوى المطرود من سعة الإله
وظلَّةِ العرش الرحيبِ
اسمي أحبُّ إليَّ من صفتي
وجسمي .. من ندوبي
أسماؤكم حرثٌ لكم
فأتوا الأسامي حيثما شئتم
ولا تتردوا في النطق
والإيلاج في أذن البعيد
هناك من قبل القريبِ
متنافسان ككل حلم فارهٍ
لا شيء يأتي الأرض منفردا
سوى وجع الخطى وسخافتي
وأمام عينيك اللتين عشقت
كان الكون أحمرَ
ربما هو الانعكاس أمام ضوء الشمس
أو لَهَفِي عليْكِ
وربما هو الانغماس الفذُّ
في تهويمة الإحساس أو تشبيكة الأيدي
إذا ما الراس فوق الراس
أو كفاك إذ تتشنجان وأنتِ تحتي
تصرخين بـ "يا حبيبي"
سنعود من غدنا إلى غدنا
فبالأمس استطاع اليوم أن يتعلم التنجيم
شاء الوقت أن ألقاكِ
شاء القلب أن تبقي
وحين نفيق من فوران أعضاءٍ حملناها
ونهدأ سوف أسأل مازحا
"هل أنتِ من باريس ؟"
تبتسمين أضحك ثم في دلعٍ
تصبِّين الكلام عليَّ في شفتيَّ
" بل من قلب أعماق الجنوبِ "
وتعود لي الرؤيا :
فتاةٌ – رغم عنف سوادهم – بيضاءُ
تحسبها الثلوجَ وحين تلمسها ترى البركانَ
تهجر قرية الهيجان والحرمان تزحف للمدينة
والمدينة من طبائعها تجبُّ الوافدين
ولا تهادن أهلها
وإذا استوتْ في لبسها العصري
أتقنتِ المدينة واستراحت نحوها
مسَّ الخضارُ نباتَها فتعرَّشتْ
وترعرعتْ
ونمتْ
وقالتْ
"موطني جسدي وخارطتي على خصري
وأعضائي شعوبي"
بنتٌ من الماء النقيِّ تصنَّعتْ
وأتت إليَّ يسوقها شوق القصيد إلى الرويِّ
تحس بي وكأنها مني
وألبسها كأن جمالها حكرا عليَّ
كأنها روحي التي رُدَّت إليَّ
كأنني العاصي الذي وجد الوليَّ
وتاب بين يديه واستلقى الظهيرة
ثم قام العصر صلَّى
عندما وجدوه مجذوبا
تدرْوش في المغيبِ
كان الصعيد يطل من خلفية الأحداث
تحتدم المشاهدُ يدخل العربان في الموضوع
تهرب من خناجرهم
وتأتي لي فأحضنها وأهمس
" لا تخافي
سوف أحميكِ"
استراحت في يدي أردفتُ
"حتما لن تؤوبي"
وأنا أحيط بها بأحضاني سريعا
غافلتني
وازدرتْ شوقي وقالت في خطاب تافهٍ :
"دع عنك حبي
إنني أخشى عليك"
سقطتُ مذهولا عليَّ
وقلتُ
"بالتأكيد حلمٌ سوف أصحو منه"
لكن حين لم أصحُ اسْتشطتُ
عرفتُ كيف أبيع ذاكرتي
وأكسب في حروبي
سيفي أحبُّ إليَّ من ترسي
وكرِّي .. من كعوبي
وأمام عينيْكِ
استضافتني ذنوبي
يبدو سألحق صاحبي ليصيح بي :
اسمي أحبُّ إليَّ من وجهي
وحلمي .. من نصيبي
محمد قرنة