13‏/09‏/2013

أربعة عناوين شخصية


( 1) متر مربع في السجن

هو البابُ , ما خلفه جنَّةُ القلب .
 أشياؤنا – كُلُّ شيء لنا – تتماها وبابٌ.
هو الباب , بابُ الكنايةِ , باب الحكاية , باب يُهذِّب أيلولَ .
 بابٌ يعيد الحقولَ إلى أوَّل القمحِ .
لا بابَ للبابِ لكنني أستطيع الدخول إلى خارجي عاشقاً ما أراهُ وما لا أراهُ .
أفي الأرض هذا الدلالُ وهذا الجمالُ ولا باب للبابِ؟
زنزانتي لا تضيء سوى داخلي .. وسلامٌ عليَّ , سلامٌ على حائط الصوت ِ .
ألَّفْتُ عشرَ قصائدَ في مدْح حريتي ههنا أو هناك .
أُحبُّ فُتاتَ السماء ..,, التي تتسلل من كُوَّة السجن متراً من الضوء تسبح فيه الخيول وأشياءَ
أميِّ الصغيرة .. رائحةَ البُنِّ في ثوبها حين تفتح باب النهار لسرب الدجاج .
أُحبُّ الطبيعةَ بين الخريف وبين الشتاء , وأبناء سجَّانِنا , والمجلاَّت فوق الرصيف البعيد .
وألَّفْتُ عشرين أُغنيةُ في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيه .
حُريتي : أن أكونَ كما لا يريدون لي أن أكونَ .
وحُريتي : أنْ أوسِّع زنزانتي : أن أُواصل أغنيةَ البابِ :باب هو البابُ : لا بابَ للبابِ لكنني أستطيع الخروج إلى داخلي , الخ. الخ ,,,


(2) مقعدٌ في قطار

مناديلُ ليست لنا.
 عاشقاتٌ الثواني الأخيرةِ ضوءُ المحطة .
 وردٌ يُضَلِّل قلبًا يُفَتِّش عن معطفٍ للحنانٍ.
دموعٌ تخونُ الرَصيفَ.
أساطيرُ ليست لنا، من هنا سافروا هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول؟
زنابقُ ليست لنا كي نُقَبِّل خط الحديد.
نسافر بحثاً عن الصِّفْر لكننا نحبُّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديداً .
مصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبَّنا واقفاً في انتظار الدخانِ.
 قطارٌ سريعٌ يَقُصُّ البحيراتِ.
 في كُل جيبٍ مفاتيحُ بيتٍ وصورةُ عائلةٍ .
 كُلُّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ .
 لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ.
 نسافرُ بحثاً عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراش.
 نوافذُ ليستْ لنا، والسلامُ علينا بكُلِّ اللغات .
 تُرى , كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمةَ ؟
أين الخيول , وأين عذارى الأغاني , وأين أغاني الطبيعة فينا ؟
بعيدٌ أنا عن بعيديَ .
ما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائعِ.
ننسى العناوين فوقَ زجاج القطارات .
نحن الذين نحُّب لعشر دقائقَ لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناه .
لا نستطيع عبور الصدى مرتين .


( 3 ) حجرة العناية الفائقة 

تدورُ بيَ الريحُ حين تضيقُ بيَ الأرضُ .
لا بُدَّ لي أن أطيرَ وأن ألجُمَ الريحَ , لكنني آدميٌّ .. شعرتُ بمليون نايٍ يُمَزِّقُ صدري .
تصبَّبتُ ثلجاً وشاهدتُ قبري على راحتَّي . تبعثرتُ فوق السرير .
تقَّيأتُ .
غبتُ قليلاً عن الوعي , متُّ وصحتُ قبيل الوفاة القصيرة : إني أحبُّكِ , هل أدخل الموت من قدميكِ؟ ومتُّ ... ومتُّ تماماً , فما أهدأ الموت لولا بكاؤك ! ما أهدأ الموتَ لولا يداكِ اللتان تدقَّان صدري لأرجع من حيث متُّ .
أحبك قبل الوفاةِ وبعد الوفاةِ , وبينهما لم أُشاهد سوى وجه أمي .
هو القلب ضَلَّ قليلاً وعاد .
 سألتُ الحبيبة : في أي قلبٍ أُصبتُ ؟ فمالتْ عليه وغطَّتْ سؤالي بدمعتها .
أيها القلب ... يا أيها القلبُ كيف كذبت عليَّ وأوقعتني عن صهيلي ؟
لدينا كثير من الوقت , يا قلب , فاصمُدْ
ليأتيك من أرض بلقيس هدهدْ .
بعثنا الرسائل .
قطعنا ثلاثين بحراً وستين ساحلْ
وما زال في العمر وقتٌ لنشرُدْ
ويا أيها القلب , كيف كذبتَ على فرسٍ لا تملُّ الرياحَ .
تمهّل لنكملَ هذا العناقَ الأخيرَ ونسجُدْ.
تمهَّل .. تمهَّل لأعرفَ إن كنتَ قلبي أم صوتها وهي تصرخ:
خُذني .,,


( 4 ) غرفة في فندق

سلامٌ على الحب يوم يجيءُ , ويوم يموتُ , ويومَ يُغَيَّرُ أصحابَهُ في الفنادِقِ!
هل يخسرُ الحبُّ شيئاً ؟
سنشربُ قهوتنا في مساءِ الحديقةِ .
نروي أحاديثَ غربتنا في العشاءِ
ونمضي إلى حجْرةٍ كي نتابع بحث الغريبين عن ليلةٍ منْ حنانٍ , [ الخ .. الخ ..] .
سننسى بقايا كلام على مقعدين , سننسى سجائرنا , ثم يأتي سوانا ليكمل سهرتنا والدخان .
سننسى قليلاً من فوق الوسادة .
يأتي سوانا ويرقد في نومنا , [ الخ .. الخ .. ] .
كيف كُلَّنا نُصَدِّق أجسادنا في الفنادقِ ؟
كيف نُصَدِّقُ أسرارنا في الفنادق ؟
يأتي سوانا , يُتابع صرختنا في الظلام الذي وَحَّدَ الجسدينْ . [ الخ .. الخ .. ] .
ولسنا سوى رَقمين ينامان فوقَ السرير المشاع , المشاع , يقولان ما قاله عابران على الحبِّ قبل قليلٍ.
ويأتي الوداعُ سريعاً , سريعاً .
أما كان هذا اللقاء سريعاً لننسى الذين يحبوننا في فنادق أخرى ؟
أما قلتِ هذا الكلامِ الإباحيَّ يوماً لغيري ؟
أما قلتُ هذا الكلام الإباحيِّ يوماً لغيرِك في فندقٍ آخر أو هنا فوق هذا السرير ؟
سنمشي الخطى ذاتها كي يجيء سوانا ويمشي الخطى ذاتها .. [ الخ .. الخ .. ] .


درويش
من ديوان هي أغنية هي أغنية

10‏/09‏/2013

ورد مشاع





البنت كانت جنينة

والولد شباك

أو جرح لسه بيلتئم

فإزاي بتستغرب غنا العصافير ف صوته؟

سبحانه من أجرى الغنا ليها!

الولد..

كان حلم سادة بيكره التأويل

والبنت هيصة حنينة

هو الحزين

اللي بيرسم ضحكة تشبهله

أو قوس قزح

من لون وحيد بالطبع يشبهها

"كان نفسي أقابلك صدفة ع القهوة

شاي بالحليب وبتسمعي فيروز

كان نفسي أشوفك بنت بضفيرتين

بتنقطي حزنك على هدومك

وتخبي وشك م الكسوف

والخوف يكعبل لبختك

لما بتجري بكبرياء مهزوز

كان نفسي أقابلك وقتها جدا

كان قلبي طفل عجوز قوي

وانتي الصبية في كل شيئ"

هي الحزينة

إلا وسط الناس

ولمة الفراشات

بتعري ورد الشمس

وبتنزف غروب

فتغني للصبار

هو الوحيد اللي حب

بتسيب غصونها للغنا

تسقيه عينيها بدون شوايب

يقترب.. تبعد

يحاول.. ترتجف

تضحك.. تكشر

تختفي.. ترميه وراها

مش مهم

كل الحكاية..

البنت كانت جنينة

والولد شباك

أو جرح لسه بيلتئم

هو الوحيد اللي حب

هو الوحيد اللي ضاع

هو اللي ما مد يد

للورد لو كان مشاع

هو الوحيد اللي حب

وهي جيش م الهربانين

هو الوحيد اللي حب

وهي أضعف من محاولة حنينة

وأرق من ترحال أخير

في النهاية

مفيش نهاية محددة

ممكن كشاعر مبتدئ

أقفل هنا

ممكن ككقارئ مختلف

تختار نهاية 

أو تضيف للنص

ما تشوفه مناسب

أو يفيد في رد سؤال مراوغ

كام موت فاضلك قبل ما تصيبك حياة؟!



02‏/09‏/2013

يوميات كهل صغير السن


- 1 -
أعرف أن العالم في قلبي.. مات!
لكني حين يكف المذياع.. وتنغلق الحجرات:
أنبش قلبي، أخرج هذا الجسد الشمعي
وأسجِّيه فوق سرير الآلام.
أفتح فمه، أسقيه نبيذ الرغبة
فلعل شعاعا ينبض في الأطراف الباردة الصلبة
لكن.. تتفتت بشرتُه في كفي
لا يتبقى منه.. سوى: جمجمةٍ.. وعظام!

- 2 -
تنزلقين من شعاعٍ لشعاع
وأنت تمشين – تُطالعين- في تشابك الأغصان في الحدائق
حالمةً.. بالصيف في غُرفات شهر العسل القصير في الفنادق
ونزهةٍ في النهر..
واتكاءةٍ على شراع!
……………
.. وفي المساء، في ضجيج الرقص والتعانق
تنزلقين من ذراعٍ لذراع!
تنتقلين في العيون، في الدخان العصبِيِّ، في سخونة الإيقاع
وفجأة.. ينسكب الشراب في تحطم الدوارق
يبل ثوبك الفَرَاشيََّ.. من الأكمام حتى الخاصرة!
وحين يفغر المغني فمه مرتبكا
تنفجرين ضحكًا!
تشتعلين ضحكًا!
وتخلعين الثوبَ في تصاعدات النغم الصارخ.. والمطارق
وتخلعين خُفَّك المشتبكا
ثم..
تواصلين رقصك المجنون.. فوق الشَّظَيَات المتناثرة!!

- 3 -
عينا القطة تنكمشان..
فيدقُ الجرسُ الخامسةَ صباحا!
أتحسس ذقني النابتةَ.. الطافحةَ بثورًا وجراحًا
(.. أسمع خطو الجارة فوق السقف
وهي تعد لساكن غرفتها
الحمَّامَ اليوميَّ..!)
دفءُ الأغطية، خريرُ الصنبور
خشخشة المذياع، عذوبة جسدي المبهور
(.. والخطو المتردد فوقي ليس يكف..!)
لكني في دقة بائعة الألبان:
تتوقف في فكِّي.. فرشاةُ الأسنان!

- 4 -
في الشارع
أتلاقى – في ضوء الصبح- بظلِّي الفارع:
نتصافح.. بالأقدام!

- 5 -
حبيبتي، في الغرفة المجاورة
أسمع وقع خطوها.. في روحه وجيئة
أسمع قهقهاتها الخافتة البريئة
أسمع تمتماتها المحاذرة
حتى حفيف ثوبها، وهي تدور في مكانها.. تهم بالمغادرة
(.. يومان، وهي إن دخَلت:
تشاغلَت بقطعة التطريز
بالنظر العابر من شباكها إلى الإفريز..
بالصمت إن سَألت!)
.. وعندما مرت عليَّ، بقعة مضيئة،
ألقت وراء ظهرها.. تحية انصرافها الفاترة
فاحتقنت أذناي، واختبأتُ في أعمدة الوظائف الشاغرة
حتى تلاشى خطوها.. في آخر الدهليز!

- 6 -
أطرق باب صديقي في منتصف الليل
(تثب القطةُ من داخل صندوق الفضلات)
كلُّ الأبواب، العلويَّة والسفليَّة، تُفتح إلا.. بابه
وأنا أطرق.. أطرق
حتى تصبح قبضتيَ المحمومةُ خفاشًا يتعلق في بندول “!
………………………………
يتدفق من قبضتي المجروحة خيطُ الدم
يترقرق.. عذبًا.. منسابًا.. يتساند في المنحنيات
تغتسل الرئتان المتعَبَتان من اللون الدافئ،
ينفثئ السمّ..
يتلاشى البابُ المغلقُ.. والأعين.. والأصوات
.. وأموتُ على الدرجات!!

- 7 -
تدق فوق الآلة الكاتبة القديمة
وعندما ترفع رأسها الجميل في افتراق الصفحتين
تراه في مكانه المختار.. في نهاية الغرفة
يرشف من فنجانه رشفة
يريح عينيه على المنحدر الثلجي، في انزلاق الناهدين!
(.. عينيه هاتين اللتين
تغسل آثارهما عن جسمها – قبيل أن تنام – مرتين!)
وعندما ترشقه بنظرة كظيمة
فيسترد لحظةً عينيه: يبتسم في نعومة
وهي تشد ثوبها القصير فوق الركبتين!
………………………..
.. في آخر الأسبوع
كان يعد – ضاحكًا – أسنانها في كتفيه
فقرصت أذنيه..
وهي تدس نفسها بين ذراعيه.. وتشكو الجوع

- 8 -
حين تكونين معي أنتِ:
أصبح وحدي..
في بيتي!
…………………

- 9 -
جاءت إلي وهي تشكو الغثيان والدوار
(.. أنفقتُ راتبي على أقراص منعِ الحمل!)
ترفع نحوي وجهها المبتل..
تسألني عن حل!
………………………
هنأني الطبيبُ! حينما اصطحبتها إليه في نهاية النهار
رجوته أن يُنهي الأمر… فثار (.. واستدار يتلو قوانين
العقوبات علىّ كي أكفَّ القول!)
هامش:
أفهمته أن القوانين تسن دائما لكي تُخرق
أن الضمير الوطنيَّ فيه يُملي أن يقل النسل
أن الأثاث صار غاليًا لأن الجدبَ أهلك الأشجار
لكنه.. كان يخاف الله.. والشرطةَ.. والتجار!

- 10 -
في ليلة الزفاف، في التوهج المرهق
ظلت تُدير في الوجوه وجهها المنتصر المشرق
وحين صرنا وحدنا – في الصمت الكثيف الكلمات
داعَبَت الخاتم في إصبعها الأيسر، ثم انكمشت خجلى!
(.. كانوا – وراء الباب – يكنسون النور والظلا
وتخلع الراقصةُ الشقراءُ عريَها.. وتحسب الهبَات!)
قلت لها ” ما أجمل الحفلا “
فأطرقت باسمةَ الغمازتين والسمات.
وعندما لمستُها: تثلجت أطرافها الوجلى!
وانفلتت عجلى..!
كأنها لم تذق الحب.. ولم يثر بصدرها التنهدات!!

- 11 -
مذ علقنا – فوق الحائط – أوسمة اللهفة
وهي تطيل الوقفة في الشرفة!
واليوم!
قالت إن حبالي الصوتية تُقلقها عند النوم!
.. وانفردت بالغرفة!!

- 12 -
في جلسة الإفطار، في الهُنيهة الطفليَّة المبكرة
أعصب عيني بالصحيفة التي يدسُّها البائع تحت الباب
وزوجتي تبدأ ثرثرتَها اليومية المثابرة
وهي تصبُّ شايَها الفاتر في الأكواب!
(.. تقص عن جارتها التي ارتدت..
وجارها الذي اشترى..
وعن شجارها مع الخادم والبواب والقصَّاب،
.. ثم تشد من يدي: صفحة الكُرَة)!

- 13 -
.. العالم في قلبي مات.
لكني حين يكف المذياع، وتنغلق الحجرات:
أخرجه من قلبي، وأسجِّيه فوق سريري
أسقيه نبيذ الرغبة
فلعلَّ الدفء يعود إلى الأطراف الباردة الصلبة
لكن.. تتفتت بشرتُه في كفي
لا يتبقى منه سوى.. جمجمةٍ.. وعظام!
وأنام!!


دنقل