18‏/07‏/2008

عن العذريين "1"




من قناعتاي الشخصية أن الحب لا يمكن أن يتحول - أيا ً كانت الظروف - إلى مبارة شطرنج يفكر فيها كل طرف أي قطعة يحرك و لماذا أو كيف يدافع ضعفا ً أم يهاجم عشقا ً و لا إلى حلبة للمصارعة الرومانية حيث الجميع يصيح :

اقتله ... اقتله

فلا يدرك المنتصر أنه أيضا َ قُتل

أراه دوما ً أشبه بالماء المنساب بين الأصابع حرا ً شفيفا ً حالة ًصوفية ًمن العشق الصافي عشق يعلو فوق الأطماع و الأغراض البشرية يعلو فوق الجسد متجها ً صوب الروح ... الروح فقط حيث للحديث لون و للصمت طعم و صوت

لذلك أميل دائما إلى أصدقائي - إن جاز التعبير طبعا ً- العذريين أراهم المادة الخام لشخصية العاشق كما أنتظرها القانع بالظل تاركا ً الساحة للمتحذلقين و مدعي الحب المتفاخرين بفحولتهم و مغامراتهم التي لا تنتهي

و بالرغم من شهرة قيس و شجاعة جميل و حنان ابن ذريح أجدني دوما ً أفضل كثير عزة ذلك اليتيم الأعرج شديد القصر قبيح الوجه و القسمات الشيعي في دولة يحكمها الأمويون المثال الحي للاغتراب و النبذ - و الشاعر لا بد أن يكون مغتربا ً منبوذا ً فإن لم يكن يصنع غربته الخاصة بنفسه - كان كثير ذكيا ً فأدرك من البداية أن قدره كتب عليه هذا الاغتراب اللا منتهي فقبله عن رضا ً و تعايش معه بشكل عبقري و إن قدم العديد من التنازلات فيكفي استخفاف الحاشية به و تهكمهم عليه و على تشيعه و يكفي لتصوير معاناته و استهزائهم به أنه سمّي كثِّير على سبيل التصغير و اشتهرت مقولة بعضهم :
وياريت كثير يطوف بالبيت فمن حدثك أنه يزيد عن ثلاثه أشبار فلا تصدقة .
و أنه كان إذا أُدخل علي عبد الملك بن مروان – الخليفة الأموي يقول طأطي رأسك حتى لا يصيبه السيف في غمده وفي يوم من الأيام و بمجرد أن دخل كثيرعزة على الخليفة عبد الملك بن مروان كست الدهشة و التعجب ملامح الملك و حاشيته لما رأوه فقد كان كثير عزة رث الثياب مما أضاف إلى شكله المزيد من الدمامة فأخذ الجميع يتهامسون:


أهذا هو الشاعر كثير عزة الذي ملأ صيته الآفاق؟

فقال الخليفة المثل العربي الشهير:

تسمع بالمُعيدي خيرٌ من أن تراه !!

فرد عليه كثير عزة فورا :

مهلاً يا أمير المؤمنين ، فإنما الرجل بأصغريه ، قلبهِ ولسانه

و بعدها أخذ كثير عزة ينشد أبيات العباس بن مرداس :
تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ
وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ
فَما عِظَمُ الرِجالِ لَهُم بِفَخرٍ وَلَكِن فَخرُهُم كَرَمٌ وَخَيرُ


بُغاثُ الطَيرِ أَكثَرُها فِراخاً وَاُمُّ الصَقرِ مِقلاتٌ نَزورُ
ضِعافُ الطَيرِ أَطوَلُها جُسوماً وَلَم تَطُلِ البُزاةُ وَلا الصُقورُ
ضِعافُ الأُسدِ أَكثرُها زَئيراً وَأَصرَمُها اللَواتي لا تَزيرُ
لَقَد عَظُمَ البَعيرُ بِغَيرِ لُبِّ فَلَم يَستَغنِ بِالعِظَمِ البَعيرُ
يُصَرِّفُهُ الصَبيُّ بِكُلِّ وَجهٍ وَيَحبِسُهُ عَلى الخَسفِ الجَريرُ


أو موقفه مع جميل و قد كان جميل فارسا ً صبوح الوجه ذا شأن و سلطان جاءه يسأله :

لقد سمعت بعض الناس يقولون أنك أشعر مني فهل هذا صحيح ؟؟

فما كان من كثير و هو خليق بالفعل بما قيل إلا أنه نفى و دعا المارة ليقر أمامهم بتفوق جميل

و كأنه اكتفى بطول حياته بقدره الشعري الذي لا يمكن أن يسخر منه حيث اشتهر بأنه أشهر شعراء الآلام في زمانه



و كان منذ صغره سليط اللسان حتى كلفه عمه - الذي يكفله بعد موت أبيه - برعاية الغنم ليحميه من معاشرة أصدقاء السوء

و يقال أنه كان يرعى الغنم ذات يوم فمر بنسوة من بني حمزة فأرسلن له فتاة صغيرة تطلب أن يبيعها كبشا ً فسحرته عيناها من النظرة الأولى فقبل البيع راضيا ً و لم يطلب منها ثمنا ً سأل بعض النسوة عن اسمها فقيل له عزة فلما رجع جاءته امرأة منهن بدراهمه فقال لها : أين الصبية التي أخذت مني الكبش ؟

قالت :

ما تصنع بها ؟ هذي دراهمك

فقال :

لا اخذ دراهمي إلا ممن دفعت إليه

فانصرفت

وهو ينشد :

قضى كل ذي دين فوّفى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها

شغلته عزة كثيرا ً و راح يتحين الفرص ليمر من ذات المكان لعله يلقاها و راح ينشد ظلها الساكن فيه يبثه لوعته كقوله :
رُهـبانُ مَديَنَ وَالذينَ عهدتهم
يَبكونَ مِن حَذَرِ العَذابِ قُعودا
لو يَسمَعونَ كَما سَمِعتُ كَلامَها
خَـرُّوا لِـعَزةَ رُكَّعا ًوَسُجودا
وبسبب هذين البيتين امتنع عمر بن عبد العزيز عن الإذن لكثيّر بالدخول عليه لما تولي الخلافة


أو قوله :

ولمّا رأتْ وجدي بها وتبيَّنتْ صَبَابَة َ حَرَّانِ الصَّبَابَة ِ صَادِ

أدَلَّتْ بصبرٍ عندها وجلادة ٍ وتحسبُ أنَّ النّاسَ غيرُ جلادِ

فَيَا عَزَّ صَادِي القَلْبَ حَتَّى يَوَدَّني فؤادُكِ أو رُدّي عليَّ فؤادي

أو قوله :

وإنّي لأَسْمُو بالوِصَالِ إلى التي يكونُ شفاءً ذكرُها وازديارُها

أو قوله :

أيا عزَّ لو أشكو الذي قد أصابني إلى ميِّتٍ في قبرهِ لبكى ليا

ويا عَزَّ لو أشْكُو الذي قَدْ أصَابَني إلى راهبٍ في ديرهِ لرثى ليا

وَيَا عَزَّ لو أشْكُو الذي قَدْ أصَابَني إلى جَبَلٍ صَعْبِ الذُّرى لانحنى ليا

وَيَا عَزَّ لو أشْكُو الذي قَدْ أَصَابَني إلى ثَعْلَبٍ في جُحْرِهِ لانْبَرى ليا

وَيَا عَزَّ لو أشْكُو الذي قَدْ أَصَابني إلى موثقٍ في قيدِهِ لعدا لِيا

أو قوله الظريف :

ألا ليتنا يا عزُّ من دون ريبة ٍ

بعيران نرعى في المراعي ونسرحُ

طلبها للزواج و لكنه قوبل بالرفض التام لعلمهم بتشببه بها و لتشيعه و ضعفه و ضعف مركز الملحوظ لكن عزة أحبته ربما أكثر من حبه ذاته - و كأنثى تحب -ساندته و راحت تقابله سرا ً و لقد ذكر كثير الكثير عن لقاءتهما في أشعاره كقوله :

وقلتُ لها يا عزَّ أرسلَ صاحبي على نأي دَارٍ والرَّسُولُ مُوَكَّلُ

بأن تجعلي بيني وبينكِ موعداً وأنْ تأمُريني بالذي فيها أفعلُ

وآخرُ عهدٍ منكِ يوم لقيتني بِأَسْفَلِ وَادِي الدَّوْمِ والثوْبُ يُغسلُ

فذاع صيته و اشتهرت قصتهما جدا ً فما كان من عائلة عزة إلا أن زوجوها و أرسلوها و زوجها إلى مصر فذهب إلى مصر و استقر عند صديق له طلبا ً للقرب منها حتى أقنعه صديقه بالعودة إلى الوطن من جديد

فرجع حتى علم بأن عزة و زوجها يزمعان الحج فقال :

والله لأحجن لعلي أفوز من عزة بنظرة..

فبينما الناس في الطواف إذ نظر كثير لعزة وقد مضت إلى جمله - و هي تعرفه - فحيته ومسحت بين عينيه وقالت له حييت يا جمل فبادر ليلحقها ففاتته فوقف على الجمل وقال :
حيتك عزة بعد الحج وأنصرفت


فحي ويحك من حياك ياجـــــمل

لو كنت حييتها ما كنت ذا سرف

عندي ولا مسك الادلاج والعمل
فسمعه الفرزدق فتبسم وقال له :


من تكون يرحمك الله..

قال:

أنا كثير عزة فمن أنت يرحمك الله

قال :

أنا الفرزدق بن غالب التميمي..

قال :

أنت القائل :
رحلت جمالهم بكل أسيلــــــــــــــــة


تركت فؤادك هائما مخـبولا

لو كنت أملكهم إذا لم يرحــــــــــلوا

حتى أودع قلبي المتــــــبولا

ساروا بقلبي في الحدوج وغـادروا

جسمي يعالج زفرة وعويلا
فقال الفرزدق :


نعم..

فقال كثير:

والله لولا أني بالبيت الحرام لأصيحن صيحة ً أفزع هشام بن عبد الملك وهو على سرير ملكه

فقال الفرزدق :

والله لأعرفن بذلك هشاما ً ثم توادعا وافترقا.
فلما وصل الفرزدق إلى دمشق دخل إلى هشام بن عبد الملك فأخبره بما كان من كثير فقال له :


أكتب إليه بالحضور عندنا لنطلق عزة من زوجها ونزوجه إياها

فكتب إليه بذلك فخرج كثير يريد دمشق فلما خرج من حيه وسار قليلا ًرأى غرابا على بانة ٍيفلي نفسه وريشه يتساقط فاصفر لونه وارتاع من ذلك وجد ّفي السير ثم إنه مال ليسقي راحلته من حي بني نهد وهم زجرة الطير فبصر به شيخ من الحي فقال له :

يا ابن أخي أرايت في طريقك شيئا فراعك

قال :

نعم ياعم رأيت غرابا على بانة ٍيتفلى وينتف ريشه

فقال له الشيخ :

أما الغراب فإنه إغتراب والبانة بَيْن والتفلي فرقة فازداد حزنا ًعلى حزنه لما سمع من الشيخ هذا الكلام.
و جد ّفي السير إلى أن وصل إلى دمشق ودخل من أحد أبوابها فرأى الناس يصلون على جنازة وصلى معهم فلما قضيت الصلاة


صاح صائح :

لا إله إلا الله ما أغفلك يا كثير عن هذا اليوم

فقال :

ما هذا اليوم يا سيدي

ففقال الرجل :

إن هذه عزة قد ماتت وهذه جنازتها

فخر مغشيا عليه فلما أفاق أنشأ يقول :
فما أعـــــــرف النهدى لادر دره


وأزجره للطير لاعز ناصـره

رأيت غرابا قد علا فوق

ينتف أعلى ريشه ويطـــايره

فقال غراب واغتراب من

وبانة بينٍ من حبيب تعاشره
ثم شهق شهقه فارقت روحه الدنيا ومات من ساعته ودفن مع عزة في يوم واحد تاركا ً لنا آلامه و شعره و قصة لما يجب أن يكونه الحب


و هنا الكثير من القصص التي تحكى عن مواقف لكثير ربما جنح بعضها للتراث الشعبي فنجد في كتاب الشعر والشعراء أن ابن قتيبة أورد القصة التالية :

خرج كثير إلى مصر وعزة بالمدينة ولم يعلم به أحد ، فبينما هو يسير في التيه بمكان يقال له فيفا خريم , إذا هو بعير قد أقبلت من ناحية المدينة , في أوائلها محامل , فيها نسوة , وكثيّر متلثم بعمامة له , وفي النسوة عزة , فلما نظرت إليه , عرفته و لم يعرفها , فقالت لقائد قطارها : إذا دنى منك الراكب , قف , فلما دنى كثير أوقف القائد الركب , فابتدرته عزة فقالت :

من الرجل ؟

قال :

من الناس

قالت :

أقسمت

قال :

كثير

قالت :

فأين تريد في هذه المفازة ؟

قال :

ذكرت عزة وأنا بمصر

فلم أصبر و خرجت نحوها على الحال التي ترين

قالت :

فلو أن عزة لقيتك

فأمرتك بالبكاء , أكنت تبكي ؟

قال :

نعم

فنزعت اللثام عن وجهها وقالت :

أنا عزة

فإن كنت صادقًا فافعل ما قلت .

فأفحم . فقالت للقائد :

قد ركبك , فقاده وبقي كثير مكانه لا يحير ولا ينطق حتى توارت ، فلما فقدها سالت دموعه و أنشأ يقول :

وقضين ما قضين ثم تركنني

أو القصة التي تقول بأنه كان يسير في المدينة فرأى مبرقعة تميس في مشيتها فاستوقفها و سألها عن اسمها فقالت له :

ألست كثّير عزة

فقال :

و الله لو كانت عزة أمة لي لوهبتك إياها

فنزعت الفتاة برقعها فإذا بها عزة

أو قصته التي تقول :

سأل كثير عزة عن أعجب خبر له مع عزة

فقال :

يا أمير المؤمنين حججت ذات سنة وحج زوج عزة معها ولم يعلم أحد بصاحبه ، فلما كنا ببعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن تصلح به طعام لرفقته فجعلت تدور الخيام خيمة خيمة حتى دخلت إلي وهي لا تعلم إنها خيمتي وكنت أبري سهما ، فلما رأيتها جعلت أبري لحمي وانظر اليها حتى بريت ذراعي وأنا لا اعلم به والدم يجري ، لما علمت ذلك دخلت إلي فامسكت بيدي وجعلت تمسح الدم بثوبها ، وكان عندي نجئ سمن ( وعاء سمن) فحلفت لتأخذه فأخذته ، وجاء زوجها فلما رأي الدم سألها عن خبره فكاتمته حتى حلف عليها لتصدقنه فصدقته فضربها وحلف عليها لتشتمني في وجهة فوقفت علي وقالت لي وهي تبكي : يا ابن (…)أنشدت :

خليلى هذا ربع عزة فاعقلا

قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت

ومسا ترابا كان قد مس جلدها

وبيتا وظلا حيث باتت وظلت

ولا تيأسا أن يمحو الله عنكما

ذنوبا إذا صليتما حيث صلت

وما كنت أدري قبل عزة ما البكا

ولا موجعات القلب حتى تولت

وقد حلفت جهدا بما نحرت له

قريش غداة " المأزمين " وصلت

أناديك ما حج الحجيج وكبرت

" بفيفا غزال " رفقة وأهلت

وما كبرت من فوق " ركبة " رفقة

ومن " ذي غزال " أشعرت واستهلت

وكانت لقطع الحبل بيني وبينها

كناذرة نذرا فأوفت وحلت

فقلت لها : يا عز كل مصيبة

إذا وطنت يوما لها النفس ذلت

ولم يلق إنسان من الحب ميعة

تعم ولا عمياء إلا تجلت

تمنيتها حتى إذا ما رأيتها

رأيت المنايا شرعا قد أظلت

كأني أنادي صخرة حين أعرضت

من الصم لو تمشي بها العصم زلت

صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة

فمن مل منها ذلك الوصل ملت

أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها

وحلت تلاعا لم تكن قبل حلت

فليت قلوصي عند عزة قيدت

بحبل ضعيف حز منها فضلت

وغودر في الحي المقيمين رحلها

وكان لها باغ سواي فبلت

وكنت كذي رجلين : رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزمان فشلت

وكنت كذات الظلع لما تحاملت

على ظلعها بعد العثار استقلت

أريد الثواء عندها وأظنها

إذا ما أطلنا عندها المكث ملت

فما أنصفت أما النساء فبُغِّضت

إلى َّوأما بالنوال فضنت

يكلفها الغيران شتمي وما بها

هواني ولكن للمليك استذلت

هنيئا مريئا -غير داء مخامر

لعزة من أعراضنا ما استحلت

فوالله ما قاربت إلا تباعدت

بصرم ولا أكثرت إلا أقلت

وكنا سلكنا في صعود من الهوى

فلما توافينا : ثبت وزلت

وكنا عقدة عقدة الوصل بيننا

فلما تواثقنا : شددت وحلت

فإن تكن العتبى فأهلا

وحقت لها العتبى لدينا وقلت

وإن تكن الأخرى فإن وراءنا

منادح لو سارت بها العيس كلت

خليلي ان الحاجبية طلحت

قلوصيكما وناقتي قد أكلت

فلا يبعدن وصل لعزة أصبحت

بعاقبة أسبابه قد تولت

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقلية إن ثقلت

ولكن أنيلي واذكري من مودة

لنا خلة كانت لديكم فطلت

فإني وإن صدت لمثن وصادق

عليها بما كانت إلينا أزلت

فلا يحسب الواشون أن

بعزة كانت غمرة فتجلت

فأصبحت قد أبللت من دنف

كما أدنفت هيماء ثم استلبت

فوالله ثم الله ما حل قبلها

ولا بعدها من خلة حيث حلت

وما مر من يوم على

وإن عظمت أيام أخرى وجلت

وأضحت بأعلى شاهق من

فلا القلب يسلاها ولا العين ملت

فيا عجبا للقلب كيف

وللنفس لما وطنت كيف ذلت

وإني وتهيامي بعزة بعدما

تخليت مما بيننا وتخلت

لكالمرتجي ظل الغمامة كلما

تبوأ منها للمقيل اضمحلت

كأني وإياها سحابة

رجاها فلما جاوزته استهلت

فإن سأل الواشون فيم

فقل نفس حر سليت فتسلت

أيا ً كانت صحة القصص و صحة حبه لعزة من عدمه يبقى لنا الشعر مثل :

رَمَتْني على عَمْدٍ بُثينَة بَعْدما تولّى شبابي وارجحنَّ شبابُها

بعينينِ نَجْلاوينِ لوْ رَقْرَقَتْهُمَا لنوءِ الثريّا لاستهلَّ سحابُها

ولكنّما تَرْمِينَ نفساً مَريضَة ً لعزَّة َ منها صفوُها ولُبابُها

أو

لقد زعمَتْ أنّي تغيَّرتُ بعدها ومَنْ ذا الذي يا عزَّ لا يتغيَّرُ

تغيَّر جسمي والخليقة ُ كالَّذي عَهِدْتِ ولم يُخْبَرْ بِسرِّكِ مُخبَرُ

أيادي سبا يا عَزَّ ما كنتُ بعدكُمْ فلمْ يحْلَ للعَيْنَيْنِ بعدَكِ مَنظرُ

أبعدَ ابن ليلى يأملُ الخُلدِ واحدٌ من النّاسِ أو يرجو الثَّراءَ مثمِّرُ

أو

أبائنة ٌ سُعدى ؟ نعمْ ستبينُ كما انبَتَّ مِنْ حَبْلِ القَرِينِ قرينُ

أإنْ زُمَّ أَجْمَالٌ وَفَارَقَ جِيرة ٌ وصاحَ غرابُ البينِ أنتَ حزينُ؟

كأَنَّكَ لم تَسْمَعْ ولم تَرَ قَبْلَها تَفَرُّقَ أُلاّفٍ لَهُنَّ حَنينُ

حَنِينٌ إلى أُلاَّفهِنَّ وقدْ بَدا لهُنَّ مِن الشَّكِّ الغَداة َ يَقينُ

وهاجَ الهوى أَظْعانُ عزَّة َ غُدوَة ً وقد جعلتْ أقرانُهُنَّ تبينُ

فَلَمّا استَقَلَّتْ عن مَنَاخٍ جِمَالُها وأَسْفَرْنَ بالأَحْمَالِ قُلْتُ سَفينُ

تأَطَّرْنَ في المِينَاءِ ثُمَّ تَرَكْنَهُ وقد لاحَ مِنْ أثْقَالهنَّ شُحونُ

كأنّي وقد نكِّبنَ بُرقة َ واسطٍ وخلَّفنَ أحواضَ النُّجيلِ طعينُ

فأتبعتُهُمْ عينيَّ حتّى تلاحمتْ عليها قنانٌ من خفيننَ جونُ

فَقَدْ حَالَ مِنْ حَزْمِ الحَمَاتينِ دونهم وأعرضَ منْ وادي البُليدِ شُجونُ

وَفَاتَتْكَ عِيرُ الحَيّ لمّا تَقَبَّلَتْ ظهورٌ بهمْ من ينبُعٍ وبطونُ

وقد حال من رَضْوى وَضَيْبر دُونَهُمْ شمارخُ للأروى بهنَّ حصونُ

على الكُمتِ أو أشباهها غيرَ أنَّها صُهابيّة ٌ حُمْرُ الدُّفوفِ وَجونُ

وأعرضَ ركبٌ من عباثرَ دونهمْ وَمِنْ حَدِّ رَضْوَى المكْفهرِّ جبينُ

فأخلفنَ ميعادي وخُنَّ أمانتي وَلَيْسَ مَنْ خَانَ الأمانَة َ دينُ

وأورثنه نأياً فأضحى كأنَّهُ مخالطُهُ يومَ السُّريرِ جنونُ كذبنَ

صفاءَ الوُدِّ يومَ شنوكة ٍ وأدرَكَني مِنْ عَهْدِهِنَّ وُهُونُ

وإنَّ خَليلاً يُحْدِثُ الصُّرم كلَّما نأيتَ وشطَّتْ دارُهُ لظنونُ

وطافَ خيالُ الحاجبيّة موهناً ومرٌّ وقرنٌ دونها ورنينُ

وعاذلة ٍ ترجو لياني نجهتُها بأنْ ليسَ عندي للعواذلِ لينُ

تَلُومُ امرءاً في عنفوانِ شبابِهِ ولِلتَّرْكِ أشْياعَ الصَّبَابَة ِ حينُ

وما شعرتْ أنَّ الصِّبا إذْ تلومني على عهدِ عادٍ للشَّبابِ خدينُ

وأنّي ولوْ داما لأعلمُ أنَّني لحفرة ِ موتٍ مَرَّة ً لدفينُ

وأنّيَ لم أعلمْ ولم أجدِ الصِّبا يُلائِمُهُ إلا الشَّبَابَ قرينُ

وأنَّ بياضَ الرَّأسِ يُعقِبُ بالنُّهى ولكنَّ أطلالَ الشَّبابِ تَزينُ

لَعَمْرِي لقد شَقَّتْ عليَّ مريرة ٌ ودارٌ أحلَّتكِ البُويبَ شطُونُ

أو

أمـنقطع يـاعز مـاكان بـيننا

وشـاجرني ياعز فيك الشواجر
إذا قـيل هـذا بيت عزةقادني


إلـيه الهوى وأستعجلتني البوادر

أصد وبي مثل جنون لكي يرى

رُواة الـخنا أنـي لبيتك هاجر

ألا لـيت حظي منك يا عز أنني

إذا بنتِ باع الصبرلي عنك تاجر

أو

خَلِيلَيَّ عُوجَا مِنْكُما سَاعة ً مَعِي عَلَى الرَّبْعِ نَقْضِ حَاجَة ً وَنُوَدِّعِ

وَلاَ تَعْجَلاَني أَنْ أُلِمَّ بدِمْنَة ٍ لعزَّة َ لاحتْ لي ببيداءَ بلقعِ

وقولا لقلبٍ قدْ سلا راجعِ الهوى وَلِلْعَيْنِ أَذْرِي مِنْ دُموعِكِ أَوْ دَعِي

فلا عيشَ إلاّ مثلُ عيشٍ مضى لنا مصيفاً أقمنا فيهِ من بعدِ مربعِ

تفرَّقَ أُلاَّفُ الحَجِيجِ على مِنًى وشتّتَهُمْ شَحْطُ النَّوَى مَشْتيَ أَرْبَعِ

فلمْ أرَ داراً مثلها دارَ غبطة ٍ وملقى ً إذا التفَّ الحجيجُ بمجمعِ

أقَلَّ مُقِيماً رَاضِياً بِمَكَانِهِ وأَكْثَرَ جاراً ظَاعِناً لَمْ يُوَدَّعِ

فأَصْبَحَ لا تَلْقَى خِباءً عَهِدْتَهُ بمضربِهِ أوتادُهُ لم تُنزَّعِ

فشاقوكَ لمّا وجّهوا كلَّ وجهة ٍ سراعاً وخلَّوا عنْ منازلَ بلقعِ

فريقانِ: منهمْ سالكٌ بطنَ نخلة ٍ وآخرُ منهمْ جازعٌ ظهر تضرُعِ

كأنَّ حُمُولَ الحيِّ حِينَ تَحَمَّلُوا صَرِيمة ُ نخلٍ أو صَرِيمة ُ إيدَعِ

فإنّك عمري هل رأيتَ ظعائناً غَدَونَ افْتِرَاقاً بالخليطِ المودَّعِ

ركبنَ اتّضاعاً فوق كلِّ عُذافرٍ من العيسِ نضّاحِ المعدَّينِ مربعِ

تُوَاهِقُ واحْتَثَّ الحُدَاة ُ بِطَاءَهَا على لاحبٍ يعلو الصياهبَ مهيَعِ

جَعَلْنَ أَرَاخيَّ البُحيرِ مَكَانهُ إلى كُلِّ قَرٍّ مُسْتطِيلٍ مُقَنَّعِ

وفيهنَّ أشباهُ المها رعتِ الملا نَوَاعِمُ بِيضٌ في الهوى غيرُ خُرَّعِ

رَمَتْكَ ابنة ُ الضَّمريِّ عزَّة ُ بعْدما أمَتَّ الصّبى مِمَّا تَرِيشُ بأقطعِ

تغاطشُ شكوانا إليها ولا تعي مع البخلِ أحناءَ الحديثِ المُرجَّعِ
لك الله يا روح الكثير الهائمة

و لنا الشعر

هناك 6 تعليقات:

Towtor يقول...

لماذا نستسيغ شعر هذه العصور البعيده اكثر من المعاصره ...هل هو حنين الى الماضى بكل ما فيه ؟ ام انه حنين لاخر يشاركنا لوعة الحب و عذاب الفراق .

غير معرف يقول...

الموضوع كتيييييير جميل

الحب لا يمكن أن يتحول - أيا ً كانت الظروف - إلى مبارة شطرنج يفكر فيها كل طرف أي قطعة يحرك و لماذا أو كيف يدافع ضعفا ً أم يهاجم عشقا ً و لا إلى حلبة للمصارعة .
للاسف نحنا المسئولين عن تحويل اْجمل شىءاْلى عذاب والاّلام

كتبت الكلمات دى اْتمنى اْنها تعجبك
(مازالت الاسئلة قائمة
والاْجوبة غائبة
اْنتظر ردا
لعلة اليوم اْو غدا
لكن مرت اْعواما ولم اْلقى ردا!
واْن سئلت يوما عنة
اْيحبك؟
لا اْعرف لى ردا
اْيحب اْخرى ؟
لا اْدرى
فجوبت مثلة بالسكوت حلا
كم كثيرا
طلبت منة يوما مجيئا
فاْدعى اْنشغالا
ولصديقتى يطلب حضورا
فاْخذ سرعان مظهر المدافع عن نفسة
واْنسحب قدر المستطاع
اْطردة من ذهنى
كلما شرد عقلى
فشرودى منة يعود الية
واْراة ينتظرنى من جديد
بلا اْسالة بلا لوم
جريت بمتاهتا
اْفتح كل اْبوابى
لكنة لا يريد اْن يرى
فاْوصدتها بغضبا
مفضلتة عزة النفس عن مضض
اْخذت اْتابع الخطى
دائما اْجدها اْعلم منى
واْن غبت يوما
اْجدة نحوها يرنو
بدلا من بعدة عنها
يترك خطاة وكلامايحرقنى
فاْقسم اْن
اْغلق بابى من غير رجعة
وان كان يوما لى مكانا
ليس سوى بعض كلماتا
اْرمى بها فى الطريق عابرا
واْعود من حيت جئت)

رغيت كتييييييير ميرسى ليك اْنك ذكرتنى بجرء من شغبطة كنت كتباها(شارد طليق)
تحياتى(نهى)

محمد مصطفى يقول...

Towtor
الشعر هو الشعر أيا كانت هويته أو عصره أو رؤيته جيده جيد و سيئه سئ

محمد مصطفى يقول...

أتفق معك بشكل كبير يا نهى فنحن مسؤولون بنسبة كبيرة في هذا التحول و لكن العالم مكتظ بؤثرات أخر
أشكرك على الكلمات
تحيتي

ســــــــــام يقول...

دايما مميز و عبقري يا صديقي
الموضوع طويل بس شيق
ربنا يوفقك

محمد مصطفى يقول...

سامي العزيز
منورني